الحرية مطلب إنساني مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمسؤولية فهي المحور الأساسي بين الإنسان ومجتمعه الذي يعيش فيه وبين الدولة التي يخضع لسلطتها . فالإنسان بدون حرية واستقلالية ذاتية يفقد كرامته لا يملك حياته وعلى أهواء الآخرين تسير توجهاته وقد يكون مجبرا من قبلهم على فعل ما يجهله أو يكره، لأنه يفتقر للإرادة وتنزع منه حرية الاختيار، وبدون مسؤولية أيضا يفقد إنسانيته ويصبح أسيرا بما تأمر به نفسه التي تفرض عليه إرادتها في مختلف الظروف والأحوال التي يعايشها ويمر بها
وقد تناول العرب مسألة الحريات قبل غيرهم من الشعوب الأخرى منذ القرن التاسع عشر الميلادي، منادين بالحريات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية متأثرين ببعض الأفكار التحررية الغربية، والتي من خلالها يتطلعون إلى إيجاد فرص جديدة للحياة المدنية الحديثة، وكان لتلك الأفكار جملة من المرتكزات والثوابت القوية التي ساهمت في بناء حياة مدنية حديثة في معظم الدول العربية. فأخذت الحرية بعدا جديدا اذ أصبح الفرد يتعايش مع الآخرين وفق نظام اجتماعي يحول صراع الفرد إلى سلاما مستنير بينه وبين ذاته أولا وبين الأفراد في محيطه ثانيا، فيصبح الفرد ملزما نوعا ما بمصلحة الجماعة ويوضع في دائرة المسؤولية العامة التي من شانها منع التطرف والجهل والإضرار بمصالح المجتمع و الأفراد .
إن الحرية نسبية فهي تقف عند حدود حرية الآخرين، فالإنسان حرا ما لم يضر أحدا، وفي إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789 تعرف الحرية بأنها ” حق الفرد أن يفعل كل ما لا يضر بالآخرين، وأن الحدود المفروضة على هذه الحرية، لا يجوز فرضها إلا بقانون “
فالحرية تفقد مسؤوليتها وقيمتها إذا تجاوزت القوانين مسببه فوضى أخلاقية وأمنية تشكل تبعات متعددة لا يمكن ضبطها إلا في إطار التشريعات والأعراف المجتمعية والتي بدورها تنظم حرية أنشطة وسلوكيات أفراد المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. فلا يمكن التمتع بالحرية ما لم يكن هنالك قانون يحمي ممارستها، لأن الحرية المطلقة تعني اختراق مساحات حرية الآخرين، وهي ربما تقود إلى تجاوزات تضيع معها فائدة الحرية ومبتغاها السامي.
الحقوق والحريات تتخذ مسارين الأول يسمى بالحقوق الطبيعية ولا يحق للقوانين الأخرى منعها أو خرقها أو التصدي لها مثل حرية الدين والاعتقاد وأسلوب العيش ونمط التفكير، والثاني يعرف بالحقوق الدستورية والتي تنظر للفرد مواطناً في المجتمع المدني يمنح له حق المشاركة في الشؤون العامة مثل الترشح والانتخاب للمناصب القيادية وحق الاستفادة من الموارد العامة المادية وغير المادية
ويرى الإسلام أن الحرية بمثابة دعوة التحرر الحقيقي للإنسانية ممّا يترتب على ذلك تحرير النفس البشرية والعقل الإنساني وذلك من خلال منهج الشريعة القائم على عبودية الله سبحانه وتعالى القائل في محكم تنزيله :
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلام لِّلْعَبِيدِ (
كما يعتبر الإسلام الحرية مقدسة وأساسية في الفكر الإسلامي بشرط أن تكون في إطار تعاليم الشريعة الإسلامية وألا تحدث أضراراً وظلماً للآخرين. وتعد عبارة ” لا إله إلا الله ” من أعظم الشعارات التي نادى بها الإسلام لتحرير الإنسان وإخراجه من أيّة عبوديّة أو خضوع لأحد إلاّ لله سبحانه وتعالى
الحرية والمسؤولية متلازمان من حيث الممارسة والهدف وكل إنسان حر ما لم يضر، وتبقى الحرية هي الأصل، والقيود هي الاستثناء وهذا ما أكده الفيلسوف والروائي الفرنسي سارتر، قائلا : ” هناك دائما اختيار، والاختيار هو التزام شئنا أم أبينا . إن الاختيار ممكن وهو الشيء الذي لا نستطيع إلا أن نفعله , إنني أستطيع دوماً أن أختار وعندما لا أختار فإنني لا أكون في الواقع إلا قد اخترت. لقد اخترت ألا اختار .